شدد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة على أن "المطلوب من القمم الإسلامية والعربية وكل أخواتها أن تعود للقدس، لفلسطين، وتعلن البراءة من أمريكا، لا أن تعمل في خدمة هذا الشيطان الأكبر ووكيلته إسرائيل"، مذكرا القادة العرب والمسلمين، "بيوم القدس العالمي الذي دعا إليه الإمام الخميني، وكرّسه كقضية محورية جامعة للعرب والمسلمين ضد عتاة هذا العالم، ضد أميركا وإسرائيل والحلف الغربي العربي المصمم على تهويد فلسطين، وتحويل القدس إلى كنيس يهودي".
أما بالنسبة للوضع الداخلي، فاعتبر أن "مشروع قانون الموازنة المولود حديثاً، صدق فيه المثل "الكحل أفضل من العمى"، وللأسف هذا واقع البلد المأزوم"، معربا عن أمله بأن "يكون حساب الحقل مطابقاً لحساب البيدر، ومسؤولية الحكومة أن تكون صادقة في شعاراتها، وحريصة على مستوى المرحلة، وفي السياق الذي يُشعر اللبنانيين بالحد الأدنى من الأمان الاجتماعي، وبأن قطار الإصلاح قد دارت محرّكاته فعلاً لا قولاً، لأن التطنيش عن الفساد، وغض الطرف عن مكافحة التهرب والتهريب، والإبقاء على ذهنية تقاسم المغانم وتبادل المصالح، هو بمثابة رصاصة الرحمة على الدولة وكل ما فيها".
ورأى أن "لعبة الهروب إلى الأمام انتهت، ومشوار الخطابات الاستعراضية والمزايدات الشعبوية لم يعد مصروفاً، ولا يوصل إلى الحلول المرجوّة التي لا نراها إلا من خلال قيام دولة قادرة على تحقيق طموحات اللبنانيين في العيش بكرامة وحرية واستقرار، بعيداً عن الهرطقات السياسية التي بفعل ذهنيات الهيمنة والإقطاع السياسي والمالي والسلطوي صادرت إرادة اللبنانيين، وفرضت منطق صراع المصالح، وتقاسم النفوذ، بعناوين المحميات الطائفية والمذهبية وضمان الوجود".
ولفت سماحته إلى أنه "لم يعد وجود الطوائف نعمة في هذا البلد، بل كله نفاق سياسي وتكاذب موصوف وتضليل متعمّد من قبل أهل السلطة، لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، فاللبنانيون جميعاً باتوا متيقنين بأن الدولة هي الضامن الوحيد للحقوق، وهي الحاضن الحقيقي لجميع اللبنانيين، إذا ما هُيّئت لها المناخات السياسية والوطنية، وأزيلت من أمامها العوائق المصطنعة والوهمية، التي لطالما تلحّفت بها هذه الطبقة السياسية، وتسترت عليها، إنفاذاً لأطماعها، وإمراراً لمصالحها، على حساب مصالح اللبنانيين، وعلى حساب مصير البلد، الذي بات مهدداً بنزوح سوري، وتوطين فلسطيني، يكثر الحديث فيه وعنه من خلال صفقة القرن التي قد يعلن عنها عبر خرائط جديدة لشرق أوسط لا وجود فيه لقضية اسمها فلسطين".
ونبّه المفتي قبلان إلى "أن المرحلة عصيبة، والتحدي كبير وخطير، إذا لم نسرع نحن اللبنانيين إلى تدبّر شؤوننا، وتحصين أوضاعنا، ومعالجة قضايانا بالوحدة والتكاتف، وتجاوز الخلافات والانقسامات، التي استنزفت القدرات، وأنهكت الاقتصاد، وحمّلت الخزينة ومالية الدولة أعباء غير مسبوقة، لا قدرة للبنان على تحمّلها، ما لم يكن هناك إرادة سياسية جامعة، وتوجّه حاسم وشجاع لإقرار موازنة معقولة، لا ضرائب فيها، ولا تعديات على أصحاب الحقوق من ذوي الدخل المحدود، وقادرة على إحداث نقلة نوعية باتجاه ترشيد الإنفاق، ووقف الهدر والالتفاف على كل أساليب النهب ونهج الصفقات والسمسرات، وضبط المعابر والمرافق والمرافئ، وإجراء الإصلاحات الجذرية في مؤسسات الدولة وإداراتها، وبخاصة في القضاء والتفتيش والهيئات الرقابية التي ينبغي أن تكون غير خاضعة للابتزاز السياسي والطائفي، وغير مرتهنة لأي طرف، لأن الارتهان يلغي الجدوى، والاستتباع لا يساعد على قيام دولة القانون والمؤسسات، التي يجب أن تكون من أولى الأولويات، وفي مقدمة المساعي والجهود، ومتقدمة على سواها من المصالح الآنية والظرفية، وقبل كل الحسابات الخاصة من أجل منصب رئاسي أو نيابي أو وزاري، لأن المناصب من أعلاها إلى أدناها لن يكون لها قيمة في حال سقط البلد، وانهار الهيكل".